والله -عَزَّ وَجَلَّ- هو وحده الذي يختار مكان الرسالة، والذين يحملون الرسالة، والذين ينزل عليهم الوحي:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام: ١٢٤]!
وقد اختار أرض العرب؛ لأن فيها العرب، والمثلات، والآثار التي تدعو إلى الاعتبار!
وإن كانت في العرب عيوب، فإن الجزيرة لم يجر فيها الذل الذي يفرضه الملوك الذين يفسدون النفوس، ويجعلون أعزة أهلها أذلة، كما قال القرآن حكايته عن ملكة سبأ: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤)} [النمل]!
ومن ثم كانت نفوس أولئك الذين لم يعيشوا تحت حكم الملوك في جاهليّتهم، هي التي حملت رسالة العزة والكرامة إلى بقاع الأرض .. وإذا كانوا هكذا فإنهم قد قوّضوا عروش هؤلاء الملوك؛ لأنهم أعداء التحكم الفردي، ومن ثم قوّضوا قصورهم، بعد أن أشربوا حبّ (الدين القيّم)، وحملوا لواءه شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً!
ولو كان لنا اختيار في قوم آخرين، وأرض أخرى، لأعيانا الاختيار؛ لأن هؤلاء العرب أهل عزّة وكرامة، ولأن أرض العرب لا ذلة فيها، وهي أرض الحريّة، وأرض الشجاعة، ولا يحمل دين العزة والإقدام، والعمل الصالح إلا الأحرار الذين يتأبَّون الدنيّة، ويتسابقون في البذل، ويتحمّلون الشدائد، وليس ذلك إلا في العرب، وأرض العرب، ولذلك ما إن انطلقوا بالإِسلام رأيناهم يهدون إليه في غير مواناة، ولا فرار، ولا يأس!
ترى، لو تصورنا أرضاً للنبوة في غير أرض العرب، أتكون أرض