القياصرة، حيث تطامَن العامة لحكم قيصر، وديّثوا له بالصغار نفوسهم، حتى حسبوه من طينة غير طينتهم، وحيث يختلفون في كل شيء، وحيث لا يحكم بينهم إلا الهوى، وحيث العنصريّة الجاثمة على الرؤوس، وحيث رق النفوس لهوى الحكام، والخروج على كل منطق للمساواة الإنسانية!
وإذا لم يكن الرومان، أفتكون أرض الفرس أرض النبوة، وكسرى وقد فرض عليهم المذلة والهوان، وتوزّعتهم سيادة الأشراف، حتى إذا بعدوا عن ذل كسرى، وجدوا ذل الحاشية، ووجدوا أنفسهم يتنقلون في الذل والهوان، وقد لانت نفوسهم، وخنعوا وهانوا أمام الملوك، وهل هؤلاء في ذلتهم هم الذين يحملون دعوة الإسلام إلى العزة؟!
وهل هؤلاء في رقّهم النفسي هم الذين يدعون إلى الكرامة الإنسانيّة التي سجلها القرآن في قوله تعالت حكمته؟: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)} [الإسراء]!
لا يمكن أن تكون دعوة الحق ممن تمرّسوا بالظلم، حتى أمات نخوتهم، أو ممن ألفوا الذلة والخضوع، والهوان والخنوع، حتى لا يستطيعوا الابتعاد عنه، والخروج منه، ولا ممن قنعوا بالحياة الدون، ورضوا بالهون!
ولو تركنا الشرق الأدنى إلى الهند لوجدنا الطبقات قد قَتلت النخوة، ودفعت شعبها إلى الاستسلام للذل!