وهذا التذكير بالحادث على هذا النحو هو طرف من الحملة عليهم، والتعجّب من موقفهم العنيد!
كذلك توحي دلالة الحادث بأن الله لم يقدّر لأهل الكتاب - أبرهة وجنوده - أن يحطّموا البيت الحرام أو يسيطروا على الأرض المقدّسة، حتى والشرك يدنّسه، والمشركون هم سدنته. ليبقى هذا البيت عتيقاً من سلطان المتسلّطين، مصوناً من كيد الكائدين، وليحفظ لهذه الأرض حريتها حتى تنبت فيها العقيدة الجديدة حرة طليقة، لا يهيمن عليها سلطان، ولا يطغى فيها طاغية، ولا يهيمن على هذا الدين الذي جاء ليهيمن على الأديان وعلى العباد، ويقود البشريّة ولا يُقاد، وكان هذا من تدبير الله لبيته ولدينه قبل أن يعلم أحد أن خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم - قد ولد في هذا العام!
ونحن نستبشر بإيحاء هذه الدلالة اليوم ونطمئن، إزاء ما نعلمه من أطماع فاجرة ماكرة ترف حول الأماكن المقدسة من الصليبيّة والصهيونيّة، ولا تني أو تهدأ في التمهيد الخفي اللئيم لهذه الأطماع الفاجرة الماكرة، فالله الذي حمى بيته من أهل الكتاب، وسدنَتُهُ مشركون، سيحفظه إن شاء الله، ويحفظ مدينة رسوله من كيد الكائدين ومكر الماكرين!
والإيحاء الثالث هو أن العرب لم يكن لهم دور في الأرض، بل لم يكن لهم كيان قبل الإسلام .. كانوا في اليمن تحت حكم الفرس أو الحبشة، وكانت دولتهم حين تقوم هناك أحياناً تقوم تحت حماية الفرس .. وفي الشمال كانت الشام تحت حكم الروم، إما مباشرة وإما بقيام حكومة عربيّة تحت حماية الرومان!
ولم ينج إلا قلب الجزيرة من تحكم الأجانب فيه .. ولكنه ظل في حالة