بداوة، أو في حالة تفكك لا تجعل منه قوة حقيقية في ميدان القوى العالمية .. وكان يمكن أن تقوم الحروب بين القبائل أربعين سنة -كما أسلفنا- ولكن لم تكن هذه القبائل متفرقة ولا مجتمعة ذات وزن عند الدول القوية المجاورة، وما حدث في عام الفيل كان مقياساً لحقيقة هذه القوة حين تتعرض لغزو أجنبي!
وتحت راية الإسلام، ولأول مرة في تاريخ العرب، أصبح لهم دور عالمي يؤدّونه، وأصبحت لهم قوّة دوليّة يحسب لها حساب .. قوة غالبة تكتسح الممالك، وتحطم العروش، وتتولى قيادة البشرية، بعد أن تزيح القيادات الجاهليّة المزيّفة الضالة!
وتحت راية الإسلام ولأول مرة في تاريخهم نسوا نعرة الجنس، وعصبيّة العنصر، وذكروا أنهم مسلمون .. ومسلمون فقط، ورفعوا راية الإسلام، وراية الإسلام وحدها، وحملوا عقيدة ضخمة قويّة يُهدونها إلى البشرية رحمة وبراً بالبشريّة .. ولم يَحملوا قوميّة ولا عنصريّة ولا عصبيّة .. حملوا عقيدة يُعَلِّمون الناس بها, لا مذهباً أرضياً يخضعون الناس لسلطانه، وخرجوا من أرضهم جهاداً في سبيل الله وحده، ولم يخرجوا ليؤسّسوا إمبراطوريّة عربيّة ينعمون ويرتعون في ظلها، ويشمخون ويتكبرون تحت حمايتها، ويُخرجون الناس من حكم الروم والفرس إلى حكم العرب، وإلى حكم أنفسهم!
إنما قاموا ليُخرجوا الناس من عبادة العباد جميعاً إلى عبادة الله وحده!
عندئذ فقط كان للعرب وجود، وكانت لهم قوة، وكانت لهم قيادة .. ولكنها كانت كلها لله وفي سبيل الله، وقد ظلت لهم قوتهم، وظلت لهم