وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشّمة .. إلا كبير الأصنام فقد تركه لعلهم يرجعون إليه فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة؟!
ولعلهم حينئذ يراجعون القضيّة كلها، فيرجعون إلى صوابهم، ويدركون منه ما في عبادة هذه الأصنام من سخف وتهافت!
وعاد القوم ليروا آلهتهم جذاذاً إلا ذلك الكبير, ولكنهم لم يرجعوا إليه يسألونه، ولا إلى أنفسهم يسألونها: إن كانت هذه آلهة فكيف وقع لها ما وقع، دون أن تدفع عن أنفسها شيئاً، وهذا كبيرها كيف لم يدفع عنها؟!
لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال؛ لأن الخرافة قد غطّت عقولهم عن التفكير، ولأن التقليد قد غل أفكارهم عن التأمّل والتدبّر .. فإذا هم يدعون هذا السؤال الطبيعي لينقموا على من حطّم آلهتهم، وصنع بها هذا الصنيع:
فهم ما يزالون يصرّون على أنها آلهة، وهي هكذا مهشمة! فأما إبراهيم - عليه السلام - فهو يتهكم بهم، ويسخر منهم، وهو فرد وحده وهم كثير .. ذلك أنه ينظر بعقله المفتوح وقلبه الواصل، فلا يملك إلا أن يهزأ بهم ويسخر، وأن يجيبهم إجابة تناسب هذا المستوى العقلي الدون: