للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتهكم واضح في هذا الجواب الساخر!

إن هذه التماثيل لا تدري من حطمها، فهي جماد لا إدراك له أصلاً، وأنتم كذلك مثلها مسلوبو الإدراك لا تميزون بين الجائز والمستحيل!

ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزّهم هزًّا، وردّهم إلى شيء من التدبّر والتفكّر: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤)}!

وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في موقفهم من سخف، وما في عبادتهم لهذه التماثيل من ظلم، وأن تتفتح بصيرتهم لأول مرة، فيتدبّروا ذلك السخف الذي يأخذون به أنفسهم، وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون!

ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبها الظلام، وإلا خفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥)}!

وحقاً، لقد كانت الأولى رجعة إلى النفوس، وكانت الثانية نكسة على الرؤوس، كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب!

كانت الأولى حركة في النفس للنّظر والتدبّر!

أما الثانية فكانت انقلاباً على الرأس فلا عقل ولا تفكير، وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم، وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون؟!

ومن ثم يجبههم بعنف وضيق على غير عادته، وهو الصبور الحليم؛ لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم:

{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٧)}!

<<  <  ج: ص:  >  >>