ولهذا التدرّج الذي سلكه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأعمّ إلى الأخصّ حكمة لطيفة، تبيّن أن الخصائص المشتركة بين فروع الأصل الواحد موزّعة على الفروع كلها بنسب متفاوتة!
ولكنها قد تنتهي مجتمعة عند فرع ينزل منها منزلة القلب من الشجرة، وذلك الفرع هو الذي يسقي الأغصان المتفرّعة عنه يجمع مواد الخصائص السابقة واللاحقة!
وهذا التفسير العملي للقرابة -في هذا المقام- يوحي بأن (عبد مناف) هو الفرع القرشي الذي تحدرت إليه جداول الخلائق الموروثة من أعراق آبائه!
وهو الذي تقاطر فيه غيث (قصي) وأمجاده، وانتهت إليه خصائصه، فنبل وساد ومجد في حياة أبيه، على رغم صغر سنه، وعلى رغم وصية أبيه لأخيه أكبر (عبد الدار) بكر (قصي)، بما كان لـ (قصي) من مناصب السيادة والشرف، وترك (عبد مناف) لهمته وفواضله!
روى ابن الأثير قال: لما كبر (قصي) ورقّ، وكان ولده (عبد الدار) أكبر ولده، وكان ضعيفاً، وكان (عبد مناف) قد ساد في حياة أبيه، وكذلك إخوته، فقال (قصي) لـ (عبد الدار): والله! لألحقنك بهم، فأعطاه دار الندوة، والحجابة -وهي حجابة الكعبة- واللواء، فهو كان يعقد لقريش ألويتهم، والسقاية كان يسقي الحجيج، والرفادة وهي خرج تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى (قصي) بن كلاب، فيصنع منه طعاماً للحجاج، يأكله الفقراء!
لكن بني (عبد مناف) لم يرضهم أن تذهب منهم مكرمتا الجود والبذل،