يستطيع أن يتغلب على الظواهر الاجتماعيّة ويوجهها في طريق الفضيلة، حتى تصبح تلك الظواهر عند صاحب هذا الخلق الأصيل النابع من الفطرة فضيلة من فضائله!
هكذا يصور التاريخ الواقعي شخصية محمد خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - في شبابه، حتى تزوج خديجة -رضي الله عنها - وهي امرأة حسيبة شريفة كثيرة المال، عرفت محمداً - صلى الله عليه وسلم - في شظف عيشه وقلة ذات يده، وعرفته في تكافئه الخلقي، فرغبت فيه لهذه المعرفة، وتزوجته بعد هذه المعرفة!
ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ظل بعد هذا الزواج كما كان منذ وُلد ونهد وشب، يعيش في شظف عيشه، لا من قلة المال في يده؛ بل لأن خصّيصة التكافؤ الخلقي عنده طبعته على الزهادة في الحياة الماديّة المترهلة التي كانت تحياها مكة وتعيش فيها قريش، وطبعته على التسامي بنفسه عن المطامع التي تتحلّب لها أشداق الماديّين إذا هبط عليهم الثراء من غير كدّ ولا تعب!
فعمل التكافؤ الخلقي هنا أبلغ من عمله هناك؛ لأن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قبل زواجه خديجة -رضي الله تعالى عنها - كانت حياة تقلل من الدنيا؛ لأنها كانت في يده قليلة، أو لأنه لم يكن في يده منها شيء، فالفضيلة فيها في قوة الصبر على عدم التطلع إليها، وتطلبها بما يميل بميزان التكافؤ الخلقي فيبطل عمله، وحياته بعد زواجه حياة تقلل من الدنيا وهي ملء يده، فالفضيلة فيها في قوة الصبر معها على الانزلاق في غمرات المادية التي تدفع إلى الانزلاق فيها البيئة ومؤثراتها!
ومضى محمد خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم - في حياته الجديدة أميناً مع نفسه، أميناً مع قومه، أميناً مع زوجه، أميناً لماضيه، أميناً لمستقبله .. وبقي يعيش في