ضرب آخر من الإعجاز الإنساني في الحياة؛ لأن تلك الظاهرة الاجتماعيّة كانت قمينة أن تدعو الشباب إلى طيش الغرائز، فتنقلب به الفضائل إلى رذائل جامحة، فوجود ضابط نفسي يعصم الإنسان من الانزلاق وراء تيّارات الغرائز في إبان قوتها العارمة هو الآية الكبرى على أن التكافؤ الخلقي الذي ينبع منه ذلك الضابط النفسي ليس من صنع الإنسان!
والتكافؤ الخلقي بهذا المقياس لم تعرفه الحياة الواقعيّة لإنسان غير محمد خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم -، وهو في ذاته مفطور مجبول، لم يصنعه علم ولا تثقيف؛ لأن بيئته في شبابه لم تكن بيئة علم وثقافة!
ومن الطبيعي أن تكون ثمرات هذا التكافؤ الخلقي محدودة بحدود البيئة التي عاش فيها .. حتى إذا أتيح له أن يمتد ويتسع مع الرسالة العامة الخالدة امتد واتسع، فكان هو العنوان الذي رسم به القرآن الكريم الفضيلة العليا في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقال في معرض الرد عنه مدافعاً ومادحاً:
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} (القلم).
وهذا التعبير في موضعه يكافئ تعبير الفطرة الملقى على ألسنة قومه في تسميته (الأمين) فكما مثل (الأمين) التكافؤ الخلقي هناك أصدق تمثيل مثّله هنا في دور الرسالة العامة الخالدة (الخلق العظيم) أصدق تمثيل!
والفرق بين التعبيرين هو الفرق بين (محمد المرسل رحمة للعالمين)، و (محمد الشاب الأمين)!
وفي تعبير القرآن الكريم، إشارة إلى عمل في التكافؤ فوق عمل الفطرة والجبلة، وهو أثر النبوة والرسالة!
والخلق الأصيل النابع من الفطرة لا تملك المؤثرات الطارئة أن تغيّره، فهو