للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكما قال الجاحظ:

(هو الكلام الذي قل عدد حروفه، وكثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة، ونزه عن التكلف .. استعمل المبسوط في موضع البسط، والمقصور في موضع القصر، وهجرَ الغريب الوحشيّ، ورغب عن الهجين السوقي، فلم ينطق إلا (١) عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حف بالعصمة، وشد بالتأييد، ويسر بالتوفيق، وهذا الكلام الذي ألقى الله تعالى المحبة عليه، وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حُسن الإفهام، وقلة عدد الكلام، هو مع استغنائه عن إعاداته، وقلة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمة، ولا زلّت له قدم، ولا بارتْ له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب، بل يبذّ (٢) الخطب الطوال بالكلام القصير، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ولا يطلب الفلَج (٣) إلا بالحق، ولا يستعن بالخلابة، ولا يستعمل المواربة، ولا يهمز ولا يلمز، ولا يبطئ ولا يعجل، ولا يسهب ولا يحصر، ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعاً، ولا أصدق لساناً لفظاً، ولا أعدل وزناً، ولا أجمل مذهباً، ولا أكرم مطلباً، ولا أحسن موقعاً، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح عن معناه، ولا أبين عن فحواه، من كلامه - صلى الله عليه وسلم -)!

(ولا نعلم أن هذه الفصاحة قد كانت له - صلى الله عليه وسلم - إلا توفيقاً من الله وتوقيفاً، إذ ابتعثه للعرب، وهم قوم يقادون من ألسنتهم، ولهم المقامات المشهورة في


(١) في المرجع السابق بدون (إلا) وهي في: خاتم النبيّين: ١: ٢٢٧ ونقلنا منه زيادات في بعض الألفاظ.
(٢) في خاتم النبيّين: (بل يبدأ) انظر: المرجع السابق.
(٣) الفلج: الظّفَر، يقال: فلك بحاجته وبحجته: أحسن الإدلاء بها فغلب خصمه: المعجم الوسيط (فلج).

<<  <  ج: ص:  >  >>