إنه مشهد من المشاهد العجيبة، الجديدة كل الجدة على ذخيرة العربيّة من التصوّرات والتصديقات .. إنسان يؤتيه الله آياته، ويخلع عليه من فضله، ويكسوه من علمه، ويعطيه الفرصة كاملة للهدى والاتصال والارتفاع .. ولكن ها هو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخاً .. ينسلخ كأنما الآيات أديم له متلبّس بلحمه، فهو ينسلخ منها بعنف وجهد ومشقة، انسلاخ الحيّ من أديمه اللاصق بالكيان؟!
ها هو ذا ينسلخ من آيات الله، ويتجرّد من الغطاء الواقي، والدرع الحامي، وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى، ويهبط من الأفق المشرق فيلتصق بالطين المعتم، فيصبح غرضاً للشيطان لا يقيه منه واق، ولا يحميه منه حام، فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه!
ثم إذا نحن أولاء أمام مشهد مفزع بائس نكد .. إذا نحن بهذا الخلوق لاصقاً بالأرض، ملوّثاً بالطين .. ثم إذا هو مسخ في هيئة الكلب، يلهث إن طورد ويلهث إن لم يطارد!
كل هذه المشاهد المتحرّكة تتتابع وتتوالى، والخيال شاخص يتبعها في انفعال وانبهار وتأثّر .. فإذا انتهى إلى المشهد الأخير منها .. مشهد اللهاث الذي لا ينقطع .. سمع التعليق المرهوب الموحي، على المشهد كله: