وأحق منه بالحفاوة، وأسبق إلى الغاية المنشودة، أن ينال المرء حظاً وافراً من حسن الفطرة وأصالة الفكرة، وسداد الوسيلة والهدف!
وقد أشار القرآن الكريم إلى نصيب إبراهيم -عليه السلام- من هذه الخصال عندما قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (٥١) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (٥٢)} (الأَنبياء)!
ومحمد - صلى الله عليه وسلم - في هذا كجده إبراهيم، إنه لم يتلق علماً على راهب أو كاهن أو فيلسوف ممن ظهروا في عهده، ولكنه بعقله الخصب، وفطرته الصافية، طالع صحائف الحياة، وشؤون الناس وأحوال الجماعات، فعاف منها ما عرف من خرافة ونأى عنها، ثم عاشر الناس على بصيرة من أمره وأمرهم، فما وجده حسناً شارك فيه بقدر -كما عرفنا- وإلا عاد إلى عزلته العتيدة، يتابع النظر الدائم في ملكوت السموات والأرض، وذلك أجدى عليه من علوم هي بالجهل المركب أشبه، ومن مجتمع فقد الهداة من قرون، فهو يضم ضلالاً جديداً إلى الضلال القديم كلما مر عليه ليل وجاء صباح!
إن الوثنيّة تزيّن باطلها بطلاء من التمويه، ليسهل على النفوس ازدراد ما فيها من مرارة!
وإن العامة بهم أحلاس ما توارثوا، ففقدوا نعمة العقل المدرك، وعاشوا يهرفون بما لا يعرفون!
وأما الذين أوتوا حظاً من التفكير، فإن تفكيرهم يرتطم بحدود شهواتهم، وربما كتموا ما عرفوا، بل ربما حاربوا ما عرفوا، وقليل من الناس من يتجرأ على التقاليد الباطلة المستحكمة ويجهر بالحق، وأقل من ذلك من يعيش له ويضحي في سبيله!