وهيأ الله للبشرية رجلاً يبصر الحق، ويملك من الطاقة ما يدفعه إلى آفاق العالمين!
وفي الغار المهيب المحجّب، كانت نفس كبيرة تطل من عليائها على ما تموج به الدنيا من فتن ومغارم واعتداء وانحدار، ثم تتألم حسرة وحيرة؛ لأنها لا تدري من ذلك مخرجاً!
في هذا الغار النائي المهيب المحجّب كانت عين نافذة محصية تستعرض تراث الهداة الأولين من رسل الله، فتجده كالمنجم العتم لا يستخلص منه المعدن النفيس إلا بعد جهد جهيد، وقد يختلط التراب بالتبر فما يستطيع بشر فصله عنه!
في غار حراء المهيب المحجّب كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتعبّد، حتى وصل من الصفاء إلى مرتبة عالية انعكست فيها أشعة الغيوب على صفحته المجلوة، فأصبح لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح -كما سيأتي- ومن قبله شهد بطن الصحراء أخاً لمحمد - صلى الله عليه وسلم - يخرج من مصر ويجتاز القفار متلمساً الأمن والسكينة والهدى، لنفسه وقومه، فبرقت له من شاطئ الوادي الأيمن نار مؤنسة، فلما تيممها إذا النداء الأقدس يغمر مسامعه ويتخلل مشاعره:
إن شعلة من هذه النار اجتازت القرون لتتقد مرة أخرى في جوانب الغار المهيب المحجّب الذي حوى خير الخلق يتعبّد، نائياً بجسمه وروحه عن أرجاس الجاهليّة ومساوئها وأدناسها، لكن الشعلة لم تكن ناراً تستدرج الناظر، بل