للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السادس والسابع والثامن:

أما عن القول السادس: وهو العجز عن حمل أعباء النبوة، والسابع: وهو العجز عن النظر إلى الملك من الرعب، والثامن: وهو عدم الصبر على أذى قومه، فإنا نرجح القول السادس، قال الكرماني (١): وقالوا: الأولى (خشيت) أي لا أقوى على تحمل أعباء الوحي ومقاومته!

ولأن الروايات بمنطوقها ومفهومها وجو الأحداث، تمثّل هذه الأعباء، وما حفّ بها من شدائد، وما لابد من التعرض له في سبيل قيامه بحق دعوته من عداوة هؤلاء الذين جعلوا من الشرور والمفاسد عدّتهم وعتادهم، وهل يستطيع أن يصبر على ما يلقى من أذى، وهو يبلغ رسالة ربه، وهو يعلم ما عليه قومه من جاهليّة جهلاء، وما عليه غيرهم حين ذهب مع عمه أبي طالب في تجارته إلى الشام، وقصة بحيرى (٢)، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الذكاء والفطانة، وإشراق الروح، وضياء العقل، وثقوب الذهن، ورجاحة التفكير، بالمكان الأرفع، ومنذ اللحظة التي جاءه الحق وهو في غار حراء، وما قد حفّ بهذه المفاجأة من شدائد هذا اللقاء التي لا تطيقها طبيعة بشريّة مهما كانت قوتها، كل أمر منها بمفرده حريّ أن يفزع ويرعب أقوى القوى البشريّة، وهي قد اجتمعت على محمد - صلى الله عليه وسلم - في مفاجآت متتاليات متتابعات، عرف منها أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- اصطفاه رسولاً، ليخرج الناس من ظلمات حياتهم المتراكمة إلى نور الهداية والرشاد.

وفي غمرة ذلك (٣)، وقد تيقّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اصطفاءه للرسالة، واستوعبت


(١) الكواكب الدراري: ٢٤: ٩٦.
(٢) انظر: الجامع الصحيح للسيرة النبويّة: ١: ٣٧١ وما بعدها.
(٣) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ١: ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>