أن تضعف قواه البشريّة عن تحمّل أثقال ما حُمّل من أعباء الرسالة، وحرصًا منه - صلى الله عليه وسلم - على تمكّنه من تبليغ رسالة ربّه، وتخطي ما تصوره من العقبات في سبيل ذلك التبليغ!
وتضيف هذه الكلمات المشرقة إلى ما تحلّى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قوّة اليقين والصبر ضرويًا من المصابرة، تزيد في شحنة عزيمته على المضيّ قدمًا في طريق أداء واجبه نحو هذه الإنسانيّة المعذّبة في الأرض، ليخرجها من ظلمات العبوديّة الوثنيّة بصورها وأشكالها الكافرة بتوحيد الله تعالى، وإفراده بالتعبد له وحده، إلى نور التحرّر والمساواة الإنسانيّة في الحقوق والواجبات!
وكانت كلمات الإيمان الفطري -من الزوجة الأمينة الوفيّة، وزيرة الصدق، ومأنس القلب والروح، أعقل نساء العالمين -تستشرف أفق مستقبل محمَّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أطوار رسالته بأمل فسيح أفيح، موصول بأخصّ عناصر حياته الخُلُقية، وأفضل فضائل الإنسانيّة النبيلة، مجموعة في طبيعة إنسان، وُلد بها، وشبّ واكتهل عليها، فكانت -كما أسلفنا- معالم لشخصيّته - صلى الله عليه وسلم - بين قومه، يعرفونه بها عَلَمًا مفردًا في اكتمالها فيه، وكماله فيها، ولم يعرف فيهم أحد اجتمعت له هذه الخصال دون أن يشوبها إفراط يخرج بها عن مقاييس الفضائل، أو يلحقها تفريط يقصّر بها عن مدى محاسن الشمائل!
والماضي -أبدًا- في حياة المصطفين المخلصين صفحة تكتب فيها الحياة بقلم الغيب المكنون أنباء معالم مستقبلهم في رسالاتهم، الأصفياء هم القادرون على قراءة ما كتب قلم الغيب في صحيفة المصطفين ليقرؤوا في ضوئها معالم مستقبلهم وهم أندرُ في وجودهم من وجود العقل الشفيف الذي يستشفّ بخاصة إدراكه ما وراء الحجب، فيلمح خيط القدر الحكيم، وهو يربط ماضي