من اختير لحمل أعباء الرسالة الإلهيّة بمستقبله بنور المدد الإلهي، ولن تظهر لهذا العقل الشفيف في استشفافه نقط المحن وفوادح النوازل على رقعة حياة هؤلاء المخلصين؛ لأنّ أشعة العزائم المنبعثة من آفاق رسالاتهم، وقوّة الحق الممدّدة لأرواحهم تغطي بظلالها النورانيّة نقط المحن ونوازل البلاء، فلا يراها الناظرون إلا ريثما يتحفّز المخلصون إلى وثبات الإقدام في طريق عزائمهم المؤيّدة بقوى الحق والخير، المستضيئة بنور الهُدى والرشاد!
ويتفاضل المخلصون في ذلك بتفاضل رسالاتهم، قال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}[البقرة: ٢٥٣]!
وقال جلّ شأنه:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}[الإسراء: ٥٥]!
وكل صاحب رسالة يُعطى من الفضل وقوّة الصبر والمجاهدة على قدر رسالته، وما جعل الله فيها من عموم الخير والإصلاح والهداية .. وعموم رسالة خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم - تشريعًا وزمانًا ومكانًا وأجيالًا وإصلاحًا، جعلها الله أفضل الرسالات الإلهيّة، وجعل رسولها أفضل الرسل، وجعل أمّته أفضل الأمم، قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١١٠]!
وذلك لما أعطيت من فضيلة الوراثة في التبليغ ضمانًا لخصيصة العموم والخلود في رسالة خاتم النبيّن محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وكان للرسول -صلى الله عليه وسلم- من فضل قوّة الاحتمال ما تميّز به - صلى الله عليه وسلم - في مستقبل دعوته!
ومن ثم قال ربّه تبارك وتعالى:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف: ٣٥]!