فلتهدأ نفسك يا أبا القاسم، فلن يخزيك الله أبدًا، وإنك لبالغ بتوفيق ربّك ما كُتب لك في لوح الغيب من رفعة الذكر، وبلوغ الأمل، فقد حلّاك منذ خلقك فريدًا في نحائزك ومكارم أخلاقك بما جعل لك به في كل قلب مكانًا من السؤدد والسموّ والحبّ!
لقد جعل في مكارم أخلاقك الكريمة أنك تحمل الكلّ الضعيف الذي أعجزته الأيام والليالي، وأقعدته صروف الحياة عن النهوض بحال نفسه، فلم يستطع مزاحمة الضاربين في الأرض سعيًا وراء متطلّبات الحياة، ولم يستطع أن يقوم بضرورات عيشه إلا إذا أعانه ذو مقدرة من أهل المروعات وأصحاب المكارم، الذين يفعلون الخير لأنهم يرونه خيرًا، وأنت يا أبا القاسم ذلك الكريم الذي فطره الله على الخير، فلن ترضى نفسك الكريمة وقلبك الرحيم أن ترى ضعيفًا أثقلت كاهله الحياة، فتخلف عن مسيرتها دون أن تمدّ إليه يد الرحمة بما ينعشه وينهض به، في غير منٍّ ولا أذى!
والإحسان -أبدًا- آسر لمن يقع عنده موقعه، وهؤلاء الضعفى تنعشهم يدك الرحيمة، وتمسح عن كواهلهم أثقال العيش، وتحيي في أنفسهم موات الأمل، وتنعش في أرواحهم رغائب العمل هم عدّة الإيمان؛ لأنّ الإيمان يملك من رصيد الخير ما يعوّض به هؤلاء عما فقدوه من قوّة الاقتدار على مماشاة الحياة، وهؤلاء الضعفى أملك للعمل الشكور يردّون به الجميل، فالإحسان إليهم يحمل ضعيفهم لينهضوا، أو ليُحفظوا من الضياع فضيلة مشكورة عندما تحين فرصة شكرها من غير الجاحدين لفضلي المكارم والمروءات!
وهؤلاء الضعفى هم أتباع الرسل -كما عرفنا- وفي هذا التوافق بين ما حمله الإلهام النوراني بالفراسة الصادقة، والتجربة الحكيمة في كلمات وزيرة الصدق