الزوجة البرّ؛ الأمينة السيدة خديجة -رضي الله عنها- قبل أن تنشر في آفاق الحياة أشعة شمس النبوّة، وبين ما صدر من أنباء المبشّرات بميلاد رسالة جديدة، قد أظل الناس زمانها، دلالة على أن أمّ المؤمنين - رضي الله عنها - كانت تستملي في كلماتها النورانية التي مسحت بها عن جبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطرات العرق التي ساقطتها متاعب بشريّته، وقد هاضها روع المفاجأة، وتصوّر أعباء الرسالة، وقوادح تبليغها صحائف الغيب التي قرأت في سطورها بنور إيمانها الفطري، وصادق فراستها، دلائل ما فطر الله تعالى عليه رسوله وحبيبه محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، من التخلّق بمعالي الأخلاق، وأحاسن الشمائل على معالم مستقبله في رسالته الخاتمة الخالدة!
ولأمر ما ربط الحق -جلَّ شأنه- بين مكارم الأخلاق الفطريّة قبل أن يبعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وبين حياة هؤلاء الضعفى في المجتمع البشريّ الظلوم، فجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - آسيًا لجراحهم، وجابرًا لكسير قلوبهم .. ومن ثم لا ينسى هؤلاء أيادي الرحمة بهم بعد أن بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا، وداعيًا رسولًا، يدعو إلى الله وحده، وإلى عدله ورحمته!
هذا تدبير الغيب، ما كان لأحد فيه اختيار .. فالله تعالى هو الذي فطر رسوله رحيمًا، خلقةً لا كسبًا، وطبعًا لا تطبّعًا، وهو الذي جمّله بخُلق الشفقة على الخلق كافةً، وهو الذي أوجده في مجتمعه الذي نهد فيه، ونشأن بين أحضانه، وهو مجتمع يعيش في حياة تجعله أخصب أرض لزرع الإحسان والمكارم؛ لأنه مجتمع جهل حياة العدل وعاش على جهالة الحياة وروابطها الاجتماعيّة الفسيحة، مجتمع استأثر بخيراته حفنة من غلاظ الأكباد، يأخذون ولا يُعطون، ينهبون ولا يرعوُون، فلا قانون يردع، ولا نظام يحكم!