مع هذا الوجود الجميل الحيّ، المتعاطف مع كل حي، فيعيش ذلك القلب في أنس هذا الوجود، غير موحش ولا غريب فيه فريد!
ونبصر أنسًا له وقعه .. وكأنما يوحي مطلع السورة أن الله قد أفاض من حول رسوله - صلى الله عليه وسلم - الأنس في هذا الوجود، وأنه من ثم غير مجفوّ فيه ولا فريد!
ونبصر جميل صنع الله برسوله .. ومودَّته له، وفيضه عليه، واستعادة مواقع الرحمة والودّ والإيناس الإلهي، وهو متاع فائق تحييه الذكرى على هذا النحو البديعِ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}!
انظر في واقع حالك، وماضي حياتك، هل ودعك ربك وهل قلاك -حتى قبل أن يعهد إليك بهذا الأمر؟
ألم تحط يتمك رعايته؟
ألم تدرك حيرتك هدايته؟
ألم يغمر فقرك عطاؤه؟
لقد ولدت يتيمًا فآواك إليه، وعطف عليك القلوب، حتى قلب عمك أبي طالب وهو على غير دينك!
ولقد كنت فقيرًا فأغنى الله نفسك بالقناعة، كما أغناك بكسبك ومال أهلك بيتك عن أن تحسّ الفقر، أو تتطلّع إلى ما حولك من ثراء!
ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصوّرات والعقائد، منحرفة السلوك والأوضاع، فلم تطمئن روحك إليها، ولكنك لم تكن تجد لك طريقًا واضحًا مطمئنًا، لا فيما عند الجاهليّة ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى .. ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك، وبالمنهج الذي يصلك به!