وإن كانت المواجهة به كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم علموا فترة الوحي، فقالوا وطعنوا، فهي موجودة في أسلوب السورة وعباراتها وألفاظها!
ذلك أن القرآن الكريم كلام الله الحكيم العليم، وأسلوبه وعباراته وألفاظه لا تقف عند سنن الإحسان البشريّ في براعة البيان، ولكنها تعلو فوق ذلك إلى درجة الإحسان الإعجازي؛ فلا يمكن أن يحل لفظ من خارج ألفاظ القرآن مكان لفظ من ألفاظه في نسقه البياني؛ لأنّ ألفاظ القرآن في نسق آياته هي التي وقع بها التحدّي، وتمّ بها الإعجاز، فلا بدّ أن تكون ألفاظه متّسقة أكمل اتساق مع المعاني التي قُصد أداؤها بها، حتى كأن بين اللفظ والمعنى نسبًا، وقربى دانيةً، وهذا يستبين بالموازنة بين أساليب البيان القرآني في تأدية مقاصده، فأسلوب البيان الزاجر المتوعّد مغاير تمام المغايرة في ألفاظه القارعة لأسلوب البيان الموعد المرغّب في ألفاظه الهامسة!
يلمح ذلك ويشعر به الناظر ذو الحسّ المرهف، والنظر الغوّاص المتعلّق، فيحسّه في جرس اللفظ، ونسق العبارة، واسترسال الأسلوب!
وإذا كانت السورة -كما عرفنا- فلا يتَّسق مع جلال الأسلوب القرآني في روعة بيانه أن يخاطب الله تعالى نبيّه محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وقد فتر عنه الوحي بسبب لا دخل لإرادته فيه، والوحي هو صلته بالملأ الأعلى، وطريقه إلى مشاهدة ملكوت الله، واستجلائه آيات إبداعه في الكون، مغافصة دون تمهيد، مقسماً أعزّ قسم بأنّه لم يترك نبيه وحبيبه ترك قطيعة وإهمال، ولا أبغضه بغضًا يباعده عن مقامات قربه، ومنازل شهوده، بعد أن أحبّه حبًا لم يُنله أحدًا غيره من خلقه، لمجرّد أن الله تعالى أراد أن يلقي الطمأنينة في نفس نبيّه صلى الله عليه وسلم -كما يقول الشيخ الإمام- وهذه الفترة للوحي التي كانت سببًا لنزول سورة {وَالضُّحَى} لم تكن