ثور) -كما سيأتي- على نحو ميلين من يمين مكة، على طريق الذاهب منها إلى اليمين -مشى الزمان بخطا، يسرع مرّة فيوسّعها، ويتّئد أخرى فيقيّدها، وهو يشهد بكل ما فيه من وعي ويقظة بناء صرح الرسالة الخاتمة الخالدة، رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، عقيدةً وتأصيلًا في كفاح صبور، وصبر مكافح، على مدى عشر سنين، منذ بدأت أنفاس الرسالة تستهلّ وجودها في الحياة، وتتنزّل آياتها على قلب محمَّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أعظم لقاء، وأخطر مواجهة، تمّت بين مصطفى الملأ الأعلى أمين أمناء الوحي جبريل -عليه السلام- ومصطفى الكمال البشري أمين أمناء الله في تلقّي كلمته محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، بعد اكتمال نبوّته في مرحلتها الانفراديّة بمراتب وحيها الخاص على مدى ثلاث سنين قبل استهلال الرسالة؛ لتكون تمهيدًا لانطلاق الإنسانيّة إلى غايتها المقدورة لها في مدارج الكمال الفكري والاجتماعي، مظلّلًا بإشراق الروح، واستقامة العقل!
ولمّا اكتمل البناء العقدي لهذه الرسالة الخالدة، ورسخت دعائمه، وتضافرت دلائله وبراهينه، وتظاهرت آياته، تهاوت في سفحه الوثنيّات متهالكة، تلفظ آخر أنفاسها، وقامت منائر التوحيد تعلن عن جلال الله تعالى وكبريائه، سامقة سامية، مشرقة مضيئة -تنادي الشرك بوثنيّاته مستصرخًا جنده، جند الشيطان في بأس بليد، وتدبير جازم أثيم، وعناد جحود، توهّمًا من ذوي الرؤوس الخاوية، والبطون المكتظّة، أن يصدّوا بنفخ أفواههم تيّار الإيمان بالحق، وهو يجري في محيط الحياة مزمجراً كاسحًا أوضار الوثنيّات البليدة، شامخًا بعرنينه الأشمّ، باذخًا بفضله، فتخيلوا وخالوا، وتوهّموا وائْتَمروا وتَجمّعوا ليبَلغَوا أربًا صوره الحقد الكفور!