وكان ربّ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لهم بالمرصاد، فأبلغه مكرهم وكيد تدبيرهم، وحاطه بعنايته، وتولاّه برعايته، حتى أبلغه مأمنه، وآواه إلى كنفه، وكنفه بمعيّته في نهاية المقام التأسيسي لرسالته، وأدخله آمنًا، بصحبة صدّيقه في (غار ثور)، على بعد خطوات من (غار حراء)، حيث بدأ نور الرسالة يسطع هاديًا مشرقًا، إذ بشّره بنصره، وإعلاء كلمته: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)} (التوبة)!
وسبق أن عرفنا أن الدعامة الأولى في بناء صرح الرسالة الخاتمة الخالدة، رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - هي (الكلمة) وهي في حقيقتها الإلهيّة، ومكانها من الرسالة، وواقعها من تاريخ الحياة، أضخم عنوان لأعظم حقيقة في وجود الحياة الإنسانيّة وتطوّرها، وهذه الحقيقة هي (العلم) بأوسع ما يمكن أن يتصوّره خيال، أو يتّسع له واقع الحياة في الوجود!