وهي دعامة غريبة عجيبة، لم يسبق لها وجود في بناء الرسالات الإلهيّة التي سبقت رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعرف تاريخ الرسالات الإلهية أن رسالة منها قام أساس بنائها على (الكلمة)، وهي في منطوقها كلمة واحدة، ولكنها بمضمونها تنطوي على حقائق الحياة والكون إلا رسالة الإِسلام الخاتمة!
هذه الكلمة {اقْرَأْ} كانت نبعًا نميرًا في صحراء الحياة القاحلة الجديدة حسًّا ومعنى، وقد تفجّرت من هذا النبع النمير عيون حياة جديدة، عريضة مخصبة، مادّة وفكرًا وروحانيّة، وسعت الدنيا بأقطارها وحذافيرها، عدلاً ورحمةً، وهدى ونورًا، وعلمًا ومعرفةً، وإصلاحًا وخيراً وبركةً!
وكانت شمسًا في أفق الحياة، أشرقت بأضوائها آفاق الكون فأنارت الوجود على رحبه، وأدفأت المقرورين بحرارة أشعّتها، وهدت الحيارى الشاردين من لفح المظالم في لذعات سموم الطغيان والاستبداد الظلوم، إلى ظلّ من العدل المواسي، والتعاون المبرور، والإخاء الكريم!
والكلمة المقروءة لابدّ أن تكون مكتوبة، ومن هنا كان اختيار كلمة {اقْرَأْ} لتكون بما فيها من ومض الروحانيّة العليا دعامة لأساس رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وهي رسالة عامة شاملة خاتمة مهيمنة؛ فلا بد أن يقوم صرح بنائها على دعامة لها سرّ خلودها، دعامة فينانة لا ينفد ماء نبعها، ولا ينقطع مددها، أبديّة الرفد، سرمديّة الصفد، لا ينضب معينها، ولا ينشف عودها، ولا تيبس جذورها، فهي غضّة نضرة ما بقيت الحياة، وهي دانية القطوف، ظلّها ممدود، وأثرها في الحياتين محمود!