للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن إذن صريحٌ في أنه لا صَنْعَةَ فيه لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا لأحد من الخلق، وإنما هو منزل من عند الله بلفظه ومعناه!

والمحجب أن يبقى بعض الناس في حاجة إلى الاستدلال على ذلك!

وهذه القضيّة لو وجدت قاضياً يقضي بالعدل لاكتفى بسماع هذه الشهادة التي جاءت بلسان صاحبها على نفسه، ولم يطلب وراءها شهادةَ شاهدٍ آخر من العقل أو النقل، ذلك أنها ليست من جنس (الدعاوى) فتحتاج إلى بيِّنة، وإنما هي من نوع (الإقرار) الذي يؤخذ به صاحبه، ولا يتوقف صديق ولا عدوّ في قبوله منه!

أيُّ مصلحة لمن يتحدّى الناس بالأعاجيب والمعجزات لتأييده في أن ينسب بضاعته لغيره، وينسلخ منها انسلاخاً؟!

الذي نعرفه أن كثيرًا من الناس يسطون على آثار غيرهم فيسرقونها أو يسرقون منها ما خفّ حمله وعلت قيمته وأمنت تهمته، حتى إن منهم من ينبش قبور الموتى ويلبس من أكفانهم ويخرج على قومه في زينة من تلك الأثواب المستعارة!

أما أن أحداً ينسب لغيره أنفَسَ آثار عقله وأعلى ما تجود به قريحته، فهذا ما لم يَلده الدهر بعد!

وإن من تتبع سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، في حركاته وسكناته، وعباراته وإشاراته، في رضاه وغضبه، في خَلوته وجَلْوته، لا يشك في أنه كان أبعدَ الناس عن المُداجاة والمواربة .. وأن سرَّه وعلانيته كانا سواء في دقة الصدق، وصرامة الحق، في جليل الشؤون وحقيرها .. وأن ذلك كان أخص

<<  <  ج: ص:  >  >>