للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بُعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - (الدّين القيّم)، دين الأمّة الوسط الخيّرة، وبلاد الشام في الشمال خاضعة للروم (١)، يحكمها أمراء من العرب من قبل الفرس!

وليس في أيدي العرب إلا الحجاز ونجد وما إليها من الصحاري القاحلة، التي تتناثر فيها الواحات الخصبة هنا وهناك!

وكان في استطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصادق الأمين الذي حكّمه أشراف قريش قبل ذلك في وضع الحجر الأسود، وارتضوه حكمًا .. والذي هو في الذؤابة من بني هاشم أعلى قريش نسبًا .. كان في استطاعته - صلى الله عليه وسلم - أن يثيرها قوميّةً عربيّةً، تستهدف تجميع قبائل العرب، التي أكلتها الثارات، ومزّقتها النزاعات، وأن يوجهها وجهة قوميّة لاستخلاص أرضها المغتصبة من الامبراطوريات المستعمرة، الرومان في الشمال، والفرس في الجنوب، وإعلان راية العربيّة والعروبة -كما يدعو دعاة القومية- وإنشاء وحدة قويّة في كل أرجاء الجزيرة!

وكان المؤمّل حينئذ أن يستجيب له العرب، بدلًا من أن يعاني ثلاثة عشر عامًا في اتجاه معارض لأهواء أصحاب السلطان في الجزيرة!

وربما قيل: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان خليقًا أن يستجيب له العرب هذه الاستجابة .. وبعد استجماع السلطان في يديه والمجد فوق مفرقه- كما يقول


= (قعيقعان)، ووهم من قال: هو (ثور) كالكرماني، وسميا بذلك لصلابتهما، وغلظ حجارتهما، والمراد بإطباقهما أن يلتقيا على من بمكة، ويحتمل أن يريد أنهما يصيران طبقًا واحدًا .. وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} (آل عمران: ١٥٩)!
وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} (الأنبياء)!
(١) في ظلال القرآن: ٢: ١٠٠٥ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>