وأحكام، كانوا قد أقاموا هذا الدّين من قبل في ضمائرهم وفي حياتهم، في صورة عقيدة وخلق، وعبادة وسلوك .. وكانوا قد وعدوا على إقامة هذا الدّين وعدًا واحدًا، لا يدخل فيه الغلب والسلطان .. ولا حتى لهذا الدّين على أيديهم .. وعدًا واحدًا لا يتعلق بشيء في هذه الدنيا .. وعدًا واحدًا هو الجنة. هذا كل ما وعدوه على الجهاد المضني، والابتلاء الشاق، والمضي في الدعوة، ومواجهة الجاهلية بالأمر الذي يكرهه أصحاب السلطان، في كل زمان وفي كل مكان، وهو:(لا إِله إِلا الله)!
فلمّا أن ابتلاهم الله فصبروا .. ولمّا أن فرغت نفوسهم من حظّها .. ولمّا أن علم الله منهم أنهم لا ينتظرون جزاء في هذه الأرض .. كائنًا ما كان هذا الجزاء، ولو كان هو انتصار هذه الدعوة على أيديهم، وقيام هذا الدّين بجهدهم!
ولمّا لم يعد في نفوسهم اعتزاز بجنس ولا قوم، ولا اعتزاز بشيء من عرض الدنيا .. علم أنهم قد أصبحوا أمناء على العقيدة التي يتفرّد فيها الحق -جلّ شأنه- بالحاكميّة في القلوب والضمائر، والسلوك والمشاعر، والأرواح والأموال، والأوضاع والأحوال .. وأمناء على السلطان الذي يوضع في أيديهم ليقوموا به على شريعة الله ينفذونها، وعلى عدل الله يقيمونه، دون أن يكون لهم من ذلك السلطان شيء لأنفسهم، ولا لعشيرتهم، ولا لقومهم ولا لجنسهم، وإنما يكون السلطان في أيديهم لله، ولدين الله، وشريعة الله؛ لأنهم يعلمون أنه من الله، هو الذي آتاهم إيّاه!
ولم يكن شيء من هذا المنهج المبارك ليتحقق على هذا المستوى الرفيع، إلا أن تبدأ الدعوة ذلك البدء، وإلا أن ترفع الدعوة هذه الراية وحدها: