للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن (اللاهوت) هو الشكل المناسب؛ لأنّ العقيدة تمثل منهج حياة واقعيّة للتطبيق العملي، ولا تقبع في الزاوية الضيّقة التي تقبع فيها الأبحاث (اللاهوتيّة النظريّة)!

كان القرآن وهو يبني العقيدة في ضمائر الجماعة المسلمة يخوض بهذه الجماعة المسلمة معركةً ضخمة مع الجاهليّة من حولها، كما يخوض معركة ضخمة في ضميرها وأخلاقها وواقعها!

ومن هذه الملابسات ظهر بناء العقيدة، لا في صورة (نظريّة)، ولا في صورة (لاهوت)، ولا في صورة جدل كلامي .. ولكن في صورة تكوين تنظيمي مباشر للحياة، ممثّل في الجماعة ذاتها، وكان نمو الجماعة المسلمة في تصوّرها الاعتقادي، وفي سلوكها الواقعيّ وفق هذا التصوّر، وفي دربتها على مواجهة الجاهلية .. كان هذا النموّ ذاته ممثّلًا تمامًا لنموّ البناء العقديّ، وترجمة حيّة له .. وهذا هو منهج هذا (الدّين القيم) الذي يمثّل حقيقته كذلك!

ومرحلة بناء العقيدة التي طالت في العهد المكّي لم تكن منعزلة عن مرحلة التكوين العمليّ للحركة الإِسلاميّة، والبناء الواقعيّ للجماعة المسلمة .. لم تكن مرحلة تلقّي (النظريّة)! ولكنها كانت مرحلة البناء القاعديّ للعقيدة وللجماعة، وللحركة، وللوجود الفعلي معًا!

ومن ثم فالقرآن الكريم لم يقض ثلاثة عشر عامًا في بناء العقيدة بسبب أنه كان يتنزّل للمرة الأولى .. كلا! فلو أراد الله -عزّ وجلّ- لأنزله جملة واحدة، ثم ترك أصحابه يدرسونه ثلاثة عشر عامًا أو أكثر أو أقل، حتى يستوعبوا (الحقيقة الإِسلاميّة)!

<<  <  ج: ص:  >  >>