إن كل أحد، وكل شيء، وكل قيمة، وكل حقيقة .. صغير .. ! والله وحده هو الكبير .. ! وتتوارى الأجرام والأحجام، والقوى والقيم، والأحداث والأحوال، والمعاني والأشكال، وتنمحي في ظلال الجلال والكمال، لله الواحد الكبير المتعال!
وهو توجيه للرسول - صلى الله عليه وسلم - ليواجه نذارة البشريّة، ومتاعبها وأهوالها وأثقالها، بهذا التصوّر، وبهذا الشعور، فيستصغر كل كيد، وكل قوّة .. وهو يستشعر أن ربه الذي دعاه ليقوم بهذه النذارة، هو الكبير .. ومشاق الدعوة وأهوالها في حاجة دائمة إلى استحضار هذا التصوّر، وهذا الشعور!
وبعد ذلك يطالعنا: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)}!
وطهارة الثياب كناية في الاستعمال العربي عن طهارة القلب والخُلق والعمل .. طهارة الذات التي تحتويها الثياب، وكل ما يلمّ بها أو يمسّها .. والطهارة هي الحالة المناسبة للتلقّي من الملأ الأعلى .. كما أنها ألصق شيء بطبيعة هذه الرسالة، وهي بعد هذا وذلك ضروريّة لملابسة الإنذار والتبليغ، ومزاولة الدّعوة في وسط التيّارات والأهواء والمداخل والدروب .. وما يصاحب هذا ويلابسه من أدران وأخلاط وشوائب .. تحتاج من الداعية إلى الطهارة الكاملة؛ كي يملك استنقاذ الملوّثين دون أن يتلوّث، وملابسة المدنّسين من غير أن يتدنّس .. وهي لفتة دقيقة عميقة إلى ملابسات الرسالة والدعوة والقيام على هذا الأمر بين شتّى الأوساط، وشتّى البيئات، وشتّى الظروف، وشتّى القلوب!
وبعد ذلك يطالعنا قوله جل شأنه: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)}!