وهي معركة طويلة عنيفة لا زاد لها إلا الصبر الذي يقصد فيه وجه الله، ويتّجه به إليه احتساباً عنده وحده!
وقد كانت الوصيّة الأولى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)}! نبراساً قويًّا أضاء لنا رقعة الوجود -كما يقول المرحوم الدكتور دراز (١) - فأرانا فيها مكاننا ومكانتنا، وحدّد لنا فيها وجهة سيرنا وقبلتنا .. ثم كانت هُتافاً عالياً هتف بنا أن نوجّه إلى هذه القبلة أبصارنا وبصائرنا .. قالت لنا -وما أصدق وأعدل ما قالت:
أيها الإنسان، لئن كنت قد هبطت من علياء الفردوس إلى هذه الأرض المتواضعة، لقد هبطت إليها واقفاً على قدميك، ولم تهبط إليها مكبًّا على وجهك ولديك!
ألم تر كيف خُلقت منصوب القامة، مرفوع الهامة؟ فجعل نصيب الأرض منك أن تطأها برجلك ونعلك!
أمَّا ناصيتك، فقد بقيت مرفوعةً إلى السماء، تذكّرك بما هنالك ومن هنالك، مِن وطنك وأهلك!
إن هذا الرأس المرفوع يتأبّى لك بفطرته أن تنكّسه وتقلب وجهه، خضوعاً لشيء من المخلوقات، أو ركوعاً لأحد من المخلوقين!
أيها الإنسان، لئن كان لك في هذه الأرض مستقرّ ومتاع إلى حين، لقد علمت أنك سوف تخرج منها إلى مستقر آخر، متى جاء هذا الحين .. فهل تحبّ أن تعرف حقيقة مصيرك ونهايتك؟!