إن الغبار متلاحق متواصل، لو ترك في أوقات متوالية تراكمت طبقاته، وتزايدت مشقاته!
وهو غبار أخّاذ نفّاذ، ينفذ من ظاهر الأغشية والأغطية، إلى باطن الصناديق والأوعية!
وهو غبار تتداعى أجزاؤه، وتتجاذب أطرافه، حتى ليفضي اليسير منه إلى الكثير، والصغير منه إلى الكبير!
ألا فلندع جانباً هؤلاء الكسالى، الذين كره الله انبعاثهم فثبّط عزائمهم، ولننظر إلى فضل الله علينا وعلى الناس؛ إذ جعل لنا في كل مرحلة من مراحل هذا الغبار الثائر، سبيلاً إلى التنزّه عنه، أو إلى التطهّر منه!
ذلك أن هذا الغبار -وإن نفذ من غلاف إلى غلاف، وإن اقتحم على النفس أسوارها، حجاباً بعد حجاب- لا يبلغَ جهده أنَ يصل إلى جوهرها الكمين في قراره المكين، كلا، ولو فعل .. إذن لسقط التكليف، ورفعت التبعات، وزالت حجّة الله على الناس!
وإنما قصارى أمره -ما دام زمام المسؤوليّة في أيدينا- أن يسدّ على النفس منافذ حسّها من قريب أو بعيد، وأن يغشى زجاجة نورها بحجاب رقيق أو غليظ فيدسّها ويخفيها .. ولكن ما هو إلا أن تزال عنها تلك الغشاوات والحجب، فإذا هي قد تجلّى نورها، وتدفّق ماء حياتها، وعادت كما كانت إلى السير!
ترى، ما كنه تلك الثياب التي أمرنا بتطهيرها؟
أما الحرفيّون الماديّون فإنهم يفهمون منها أدنى معانيها إلى حسّهم، ذلك