وارحمتاه لهذه الأكباد الطاوية، والأجساد العارية!! تتلفت طول يومها، وتقضي جلّ ليلها، تشوّقاً إلى كافلها وعائلها، وهو عنهم في شغل بين قرناء السوء، يغرق ماله في كؤوس الصهباء، أو يحرقه ويذره دخاناً في الهواء، أو يدفنه في بالوعة الموائد الخضراء!
يا حسرتا على الجهود الضائعة، والقوى المنهوكة، والثروة المبدّدة!! على حين أن الشعوب من حولنا، تزدهر ثروتها ازدهاراً، وتستعر قوتها استعارًا، بل تكاد تنفجر انفجاراً!
فيا ليت شعري، متى يفيق أبناء هذا الجيل من سكرتهم، ويتنبهون إلى ما يراد بهم؟!
متى يصون كل منهم ثروته وقوّته، ويأخذ للمجد أهبته وعدّته؟!
على أننا الآن، لسنا بصدد البحث في تحديد اللون الطائش من السلوك، وهذا الأسلوب المنحرف من أساليب الحياة، هو الذي يداعب نفوس الجماهير عندنا، وهو الذي يحرّك همّتهم إلى السعي، ويغريهم بالجدّ في الكسب!
إنهم يغبطون السفهاء المسرفين، يتمنّون أن يكون لهم مثل ثروتهم، ليسرفوا كإسرافهم، يقول كل منهم: يا ليت لي مثل ما أوتي فلان! إنه لذو حظ عظيم!
أما أني لو كنت مكانه، لكنت أشدّ منه بطشاً بقوّتي، وأكثر استمتاعاً بثروتي!
فهم من قبل أن ينفقوا، بل من قبل أن يكسبوا ما ينفقون، محاسبون على هذه النيّة الفاجرة!