ولن يكون حديثنا موجّهاً إلى الأشحّاء الكانزين الذين انحرفت فيهم غريزة حبّ التملّك، فأصبح المال عندهم غايةً لا وسيلةً، بل أصبح فيهم يخدم ولا يستخدم .. أولئك الذين يضنّون بالمال على أنفسهم، فلا يبدو عليهم، في مطعمهم وملبسهم، أو في مسكنهم ومركبهم، مظهر لهذه النعمة التي يحبّ الله أن يُرى أثرها عليهم!
وإنما كل السعادة في نظرهم أن يجمعوا المال جمعاً ويعدّوه عداً، كأن زيادته ستمدّ في آجالهم مداً!
كلا ,ولن يكون حديثنا سوقاً إلى السفهاء المسرفين، الذين انحرفت فيهم نزعة الإنفاق، فجعلت أموالهم وقفاً على أنفسهم، ينفقونها مع قرناء السوء في متعهم الشخصيّة، تاركين أزواجهم وأولادهم وراء ظهورهم، يقاسون نكد العيش، ويكابدون ذلّ الحاجة، كأنهم عن هذه الرعيّة غير مسؤولين!
كلا, ولن يكون حديثنا مع المترفين، أولي النعمة الذين يغمرون بالرفاهية أسرهم، ولكنهم لا تمتدّ أبصارهم إلى أبعد من جيران بيوتهم .. أولئك الذين يأكلون من غير جوع، ويشربون على غير ظمأ، ثم يرفلون هم وأهلوهم في الحرير، ولا يمشون إلا على الفراش الوثير، ومن حولهم بطون طاوية، لا تجد طعاماً ولا شراباً .. وأجساد عارية، لا تملك كساءً ولا غطاءً، فلا تهتزّ منهم عاطفة لمنظر هذا البؤس والحرمان، ولا تنبسط لهم كفّ بشيء يسدّ جوعة الجائع، أو يواري سوأة العريان!
ولكن حديثنا إلى المنفقين، الذين طهرت نفوسهم من داء الشحّ في مراتبه الثلاث: