ألا نسمع إلى القرآن الكريم، حين يقول بصيغة الحصر:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}(آل عمران: ٩٢)!
والآن، فلننظر في مرآة القرآن، إلى تلك النفسيّة التي تسيء اختيار مادة البرّ والإحسان, إنها في حكم القرآن نفسيّة تستمدّ وحيها من نظرتين خاطئتين:
نظرة استهانة بشأن الآخذ!
ونظرة استئثار ومحاباة لشخصيّة المعطي نفسه!
فالذي يمنّ بالرديء، ويضنّ بالجيد، ينظر إلى الفقراء والمعوزين، فيتراؤون له -من خلال خياله- كأنهم قطيع من الحيوان، حفاة عراة جياع، يسدّ جوعهم أدنى طعام، ويستر عورتهم أحقر كساء؛ بل إنهم لا يطعمون في أكثر من لقمة وستر .. أليس شيء خيراً من لا شيء؟!
هكذا ينظر إلى الناس من عليائه، نظرة استهانة وبطر، ثم ينظر إلى نفسه، نظرة حرص وحذر، يقول في نفسه:
كيف أوتي الفقير جيد طعامي ولباسي، لأصبح بحاجة إلى بدلٍ منها؟! أأُغنيه وأُفقر نفسي؟!
هذه النظرة الخاطئة بل هذه العقليّات المريضة، يصفها القرآن الحكيم أدقّ وصف، ثم يبطلها، ويعمل على استئصالها!
أما نظرة الحذر والخوف من الفقر، فإن القرآن يصفها بأنها نزغة شيطان، ثم يمحوها من نفس المؤمن بذلك الوعد الكريم، إن الله سيرزق المنفق خلفاً: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨)} (البقرة)!