للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يروي البخاري وغيره عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غِنىً، وابدأ بمن تعول" (١)!

وكلمة الإنفاق من المال غير محدّدة المعالم؛ إنها تتناول القليل، بل أقل القليل، فهل كل عطاء ولو قلّ يحقّق الباذل البرّ؟! ويخلي من تبعة البخل؟!

كلا، ألا نستمع إلى قول الله تعالى في محكم كتابه: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} (النجم)!

هاهنا إذن طرفان ممنوعان؛ لا قلة شحيحة تقصر عن المدى، ولا كثرة سفيهة تقلب الأوضاع، وتسيء إلى ميزان التوزيع .. ولكن وسط بين ذلك!

وما هو القدر الوسط، الذي يحبّه الله ويرضاه؟!

هلا وضع الإسلام في ذلك حداً يخرج الناس من حيرتهم، وينقذهم من خداع أهوائهم، وسوء تقديرهم؟!

هاهنا يتجلّى نور الهدي النبوي؛ ليبيّن للناس ما نزّل إليهم .. ويضع مقياسين اثنين للحد الأقصى من الصدقات، مقياساً في ثروة المتصدّقين، ومقياساً في حاجة المعوزين!


(١) البخاري: ٢٤ - الزكاة (١٤٢٦)، وانظر (١٤٢٨، ٥٣٥٥، ٥٣٥٦)، وأحمد: ٢: ٢٣٠، ٤٣٥، والنسائي: ٥: ٦٢، والبيهقي: ٤: ١٧٧، وابن أبي الدنيا: العيال (٧)، والخطيب: التاريخ: ٨: ٤٨١ - ٤٨٢، وأبو نعيم: الحلية: ٢: ١٨١، وابن أبي شيبة: ٣: ٢١٢، والدارمي (١٦٥١)، وابن حبان (٤٢٤٣).
والظهر -كما قال الخطابي-: أعلام الحديث: ١ - ٧٦٣ قد يزاد به في مثل هذا إشباعاً للكلام .. والمعنى أن أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله، بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية لأهله وعياله، ولذلك يقول: "وابدأ بمن تعول"!

<<  <  ج: ص:  >  >>