وأحبّها إليه، لا من أبخسها وأهونها علينا .. ثم لم يترك لنا الخيرة في تقدير الجزء الذي نبذله؛ بل أشار إلى تحديد الحدّ الأدنى منه بحدّين نسبين: حدّ يتبع مقادير أموالنا قلة وكثرة، يتصاعد بتصاعدها!
وحدّ يتبع ضرورات الناس وحاجاتهم، ويقدر بقدرها!
هكذا تبيّنت لنا حدود الواجب في البرّ، سواء من حيث رتبتها وجودتها، أو من حيث مقدارها وكميتها!
وبقيت جوانب أخرى من هذه المبرّات، جديرة بالبحث والبيان!
ولنتذكر قبل كل شيء أن القرآن الحكيم، حين دعانا إلى بذل المال في وجوهه المختلفة، على النفس وعلى الأسرة، وعلى من وراء ذلك من أبناء الأمّة، لم يسوّ بين هذه الأنواع الثلاثة في أسلوب دعوته، ولكنه اختصّ هذا التصرّف الثالث -أعني شؤون المجتمع- فوجّه إليه جلّ عنايته، وجعله وحده هو عنوان الطهر، ومعيار التزكية:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}(التوبة: ١٠٣)!
فمن كانت نفقاته محصورة في نطاق حاجاته وحاجات أسرته، ولمن بذل فيهما عن فيض وسعة، فإنه في نظر القرآن، لا يزال منغمساً في حمأة الفرديّة والأنانية، ولن يستحق منه لقب الطهر، حتى يخرج حاله عن هذا النطاق المحدود، وحتى يدخل به في محيط الأسرة الكبرى!
هذه الدعوة العامة إلى كل ذي فضل، أن يمدّ بساط فضله خارج نطاق أسرته!