ترى، كيف كنا نفسرها, لو أن الإسلام وقف في بيانها عند هذا الحدّ المجمل؟!
حسبنا أن نلقي نظرة على أخبار الكرم والكرماء، في كل زمان، بل حسبنا أن نلقي نظرة على أساليبنا العصريّة في الدعوة إلى ولائمنا ومآدبنا، ومظاهر توسّعنا في شتّى الملابسات، ألسنا -حين نفكّر في هذا التوسّع الكريم- يتّجه تفكيرنا إلى من هم على شاكلتنا، من الخلطاء والأصدقاء، أو إلى من نعرف من النابهين والكبراء، ناسين أو متناسين من هم دوننا، ومن هم أحق ببّرنا، من الخاملين والضعفاء؟!
فلو تركت لنا الخيرة في أسلوب نشر البرّ، ألا تكون هذه الصورة هي أقرب الصور إلى أذهاننا، وأدناها إلى تحقيق فضيلة السخاء في نظرنا؟!
ولكن الله كان أرحم بالأمّة، من أن يكل شريعة برّها إلى حكم كل امرئ في نفسه، بل كان أرحم بها من أن يكتفي في تشريعها ببيان من رسوله ونبيّه - صلى الله عليه وسلم -، فسجّلها في كتابه محكمة مفصّلة، جامعة مانعة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)} (التوبة)!
ثمانية أبواب، حدّدت حاجات الأمّة ومطالبها الرئيسية وفصّلتها تفصيلاً، تناولت به أهمّ شؤون الأمّة، وأهمّ شؤون الدولة، وقالت للباذلين والمنتفعين:
هاهنا فلتولّوا وجوهكم! هاهنا فلتضعوا فضل أموالكم، سداً لتلك الحاجات، وتحقيقاً لتلك المطالب!