وليس الشأن كل الشأن في أن نجزل العطيّة وتوفي مقدارها!
وليس الشأن كل الشأن أن نحسن توزيعها ووضعها في مواضعها: إغناءً للفقير، وإيواء للغريب، وتحريراً للرقاب، ودفاعاً عن الملّة والدولة!
كل ذلك لا شك جميل، بل كل ذلك واجب محتوم وصّانا به القرآن، وشدّد علينا في الوصّية!
ولكن هذه الوصايا كلها -في جملتها وتفصيلها- ليست إلا شيئاً يسيراً، إذا قيست إلى العنصر الإنساني، الذي اشترطه القرآن في أسلوب البذل وطريقته!
ذلك هو واجب التلطّف في الأداء، رفقاً بشعور المستحقّين، وصوناً لماء وجوههم، وإبقاءً على عزّتهم وكرامتهم!
نعم، إن الله يرضى منك أن تقضي حاجة المحتاج، ولا يرضى منك أن تجرح شعوره بعطيّتك، أو تمتهن كرامته بقولك أو بفعلك أو بإشارتك، لا قبل العطاء، ولا حين العطاء!
أرأيت إن وضعت منحتك في كفّ الفقير وأنت تنظر إليه، أو تقول له نكراً؟!
أرأيت إن استكثرت عليه عطيّتك، أو تمنيّت لو أنك أخرت شيئاً منها لنفسك؟!
أرأيت إن استشعرت الفضل عليه، بمالك من اليد العليا، أو أشعرته بموقفه الضارع المستكن؟!
أرأيت إن ذكّرته -ولو بعد حين- بما أسديت إليه من برّك، ومنحته من معروفك؟!