هيهات!! لقد أضعت بذلك عملك هباءً، وكنت أنت ومانع الخير سواءً، بل لعل البخل كان خيراً بذلك، والحرمان أفضل من إحسانك .. فإن كنت في شك من هذا فاقرأ قول الله -عزّ وجلّ-: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} (٢٦٤) وَمَثَلُ الَّذِينَ} (البقرة: ٢٦٤)!
إنما الفضل والأجر لمن أنفق نفقته طيّبة بها نفسه، عفيفاً فيها لسانه، مكفوفاً عنها منّه وأذاه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢)} (البقرة)!
والقرآن الحكيم بعد ذلك لا يكتفي منا بهذا الموقف!
إنه يصف لنا المؤمنين الصادقين، أكرم طبعاً، وأشدّ تواضعاً، من أن يقفوا مع المسكين على قدم المساواة!
إنه يصوّرهم لنا خافضي الجناح، متطامني الظهور، كأنهم يعدّون الفقير صاحب الفضل في قبول برّهم، وفي إتاحة الفرصة لهم لينالوا رضوان الله، فتراهم في ساعة بذلهم أشدّ منه خضوعاً، وأعظم خشوعاً!
إنهم كما وصفهم الله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (٥٥)} (المائدة)!