للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم، إنك لترى العمل، فتراه في ذاته عملاً مبروراً، فإذا اطلعت على مقاصده وبواعثه، وجدته قد انقلب إثماً وفجوراً، أو قد تحوّل شغلاً دنيويًّا مباحاً، لا برّ فيه ولا فجور!

من أجل ذلك كان حقًّا على المؤمن -قبل الإقدام على عمل ما- أن يلقي على نفسه هذا السؤال، وأن يلحّ على نفسه في طلب الردّ عليه:

ماذا تبتغين أيّتها النفس من هذا العمل؟!

فإذا ظفر منها بإجابة صحيحة صريحة، غير مخدوعة ولا خادعة، فليعرض هذه الإجابة على مرآة القرآن، وليختبرها بالمعايير التي وضعها القرآن، ليستبين بذلك قيمة عمله، بل ليستبين درجة ايمانه، بل لينكشف له جوهر نفسه، ومعدن روحه، فيعلم:

هل علوّية ربّانيّة هي، أم شيطانيّة ماردة، أم طينيّة باردة؟!

ولعله ليست هناك قضيّة عني القرآن بتحليل بواعثها، وتحديد قيمها، على ضوء تلك البواعث، أشدّ من عنايته بقضيّة البذل والإنفاق، وترتيب منازلها، برّها وفاجرها وما بين ذلك!

والتاريخ القديم والحديث للبشريّة مشحون بالمثل والصور التي ينطبق عليها حكم القرآن: هذا رجل من الناس يغمرك بكرمه، لتسكن إليه وتأمن قائلته، يبدي لك الخير والبرّ، ولكنه يضمر المكر والغدر!

حذار حذار! إنه يسمنك ليأكلك، ويستدرجك ليقتلك، كمثل اليهود، حين دعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى طعامهم، وقد دسّوا له السم في اللحم: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤)} (آل عمران)!

<<  <  ج: ص:  >  >>