للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفضي إلى عكس مقصودها، ويرجع سهمها إلى نحو راميها، ذلك أنه لا يشفي غلة صاحبه، بل يزيد غلته، ويضاعف كمده وحسرته!

انظر إلى الحسود وهو يشعل نار الحسد، يحسب أنه يحرق بها غيره، وهو بها يحترق، ثم استمع إلى حركات أنفاسه، وهو يتابعها، يظن أنه ينفس بها عن صدره، وهو في الحقيقة يختنق!

ألا إن ذلك هو الانتحار البطيء!

{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (١٥)} (الحج)!

كلا، لن يذهب ما يغيظ، ولكنه يذهب نفسه، ويضحي بحياته:

{قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١١٩)} (آل عمران)!

وترى الحاسدين في الناس رجلين، أحدهما أقل إجراماً، وأيسر علاجاً من صاحبه: رجل يريد أن يسلبك نعمة هو فاقدها، لتتحوّل هذه النعمة عنك إليه!

ورجل يريد أن يسلبك هذه النعمة، ولو كان عنده مثلها أو أضعافها, ولم يتحوّل إليه أوفى نصيب منها!

أما الفئة الأولى، فإن مطلبها الأعظم هو خير نفسها, ولكنها أخطأت السبيل، فالتمسته من طريق حرمان غيرها، حسنت مقصداً، وساءت وسيلةً!

وأما الفئة الأخرى فقد جمعت بين الرذيلتين: إنها تطلب الشر للغير، ولو لم يصل إليها منه خير، إنها تبغي الشر للشر، قبحت مقصداً، وساءت سبيلاً!

كيف نطهّر النفوس من هذا المرض بنوعيه؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>