أول خطواتها، وهو وحيد منفرد في قومه، ليس معه من ينصره منهم، ولا من غيرهم، وهم جميعاً، ومن ورائهم سائر العرب، بل سائر الدنيا، إلْبٌ على هذه الأعمال الهادية الراشدة، التي تعيب وثنيّتهم، وتنعَى عليهم شركهم، وتسفّه أحلامهم، وتندّد بحياتهم الماديّة الظالمة التي يحيونها دون رادع يردعهم عن فجور ظلم يرتكبونه، أو عتوّ بغي يأتونه، حيث لا قانون ولا دين، ولا نظام ولا ضمير!
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماضٍ في دعوته، لا يصدّه عنها صادّ، ولا يردّه عن سبيلها رادّ، فاستجاب له -كما سبق- من استجاب!
واتخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من (دار الأرقم) في أصل الصفا دار دعوته، ومعهد تلقّي رسالته، جعلها مجمع السابقين إلى الإيمان من أصحابه، وأقبل عليه أهل الصدق من شباب قريش، وغير قريش مؤمنين بدعوته، متّبعين له في دينه، مصدّقين برسالته، مهتدين بهديه، أعزّة في قومهم، كرماء على أنفسهم، وكثروا وتكاثروا، وهم في دار الأرقم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وشعَرت بهم، وبخطرهم عليها وعلى حياتها الجاهليّة قريش، ومادت الأرض تحت أقدامها، والتفَت رجال كل بيت في قريش إلى أنفسهم وأسرهم، أبنائهم وإخوتهم، فإذا هم يرون أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد اجتذب منهم زهرات شبابهم، ومصدر قوّتهم، وعدّة مستقبلهم، فهم عنده ومعه مسلمون، مؤمنون، واعتنقوا عقيدته، عقيدة التوحيد، وهجروا آلهة آبائهم وأسلافهم، وسفّهوا أحلامهم، ووصموا بالدنيّة قومهم، وأصبحوا جند دعوة خاتم النبيّين محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكتائب رسالته، ودخلوا معه بشظف العيش، وشدّة الحياة وفقرها، بعد الترف والمتعة في بيوتهم بين أهليهم، وفارقوا المال والولد، والإخوة والآباء، والأمّهات