والزوجات، وتبدّلوا بهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، يسمعون للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويقولون بقوله، لا يخالفون عن أمره، يلحظون موضع إشارته، ويرمقون نظراته، ويتأدّبون بأدبه .. يحبّونه أكثر مما يحبّون أنفسهم، لا يتردّدون في تحقيق رغبة من رغباته، ولو كان فيها حياة أحدهم، فكانوا منه ومعه، بما لم يكونوا به من أمّهاتهم وآبائهم، ومع أولادهم!
وطارت عقول قريش شعاعاً من أدمغتها، إذْ تمثّلوا هذا في واقعهم، ودارت أفئدتهم في حنايا أضلعهم، وتنفّسوا الصُّعداء غمًّا وهمًّا وكمداً، وما يغني غمّ الدنيا وهمّها وكمدها شيئاً، فليركبوا رأس الشيطان فجوراً وعتواً، وليفتكوا بكل من يقدرون عليه من فلذات أكبادهم الذين تابعوا محمداً - صلى الله عليه وسلم -، ولتذهب رحمة الأبوّة، وشفقة البنوّة، راغمةً تحت أقدام آلهتهم، لعلّها ترضى عنهم، كما سيأتي!
وهنا نبصر سياسة الحكمة التي سلكها رسول الله في - صلى الله عليه وسلم - بتوفيق الله في استمراره بالدعوة، وهي مشرقة في أفق الحياة .. سياسة حكيمة محكمة، أثمرت ثمراتها في تجميع قوة من المؤمنين الراسخين في ايمانهم، الصادقين في يقينهم، الذين تولاَّهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوّل ما تولّى بالتربية والتوجيه، حتى فشا (الدّين القيّم) في مكّة، وتسامع به الناس في أنديتهم ومحافلهم، وبدأت قريش -وهي سيّدة مكّة- تحسّ بخطر هذه القوّة يدخل عليها في بيوتها، ويجتذب منها شبابها، ويأخذ بحلاقيمها، فشنّت على المؤمنين بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسولاً، حرباً خسيسةً، لا مواجهة فيها، ووقف المؤمنون من هذه الحرب الفاجرة موقف الصبر والاحتمال، بل موقف الصفح والعفو!