للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهذا منتهى تقدير الرجوليّة في نظركم يا هؤلاء (١)؟!

تبًّا لهذه الحياة إن كان مثلها الأعلى في شبابها ورجوليّتها وفتوّة فتيانها جسامة بضّة، وجمال مظهر مائع، وميعة شباب تافه، وتمايل أعطاف مرذول!

لقد مشى ملأ الوثنّية الماديّة إلى أبي طالب منتفخة أوداجهم، يقودون فتاهم بشحمه، وبضاضة جسمه، وهم يقولون له:

قد جئناك بفتى قريش، جمالاً ونسباً ونهادة، ندفعه إليك، فيكون لك نصره وميراثه، فخذه وادفع إلينا ابن أخيك نقتله، فإن ذلك أجمع للعشيرة، وأفضل في عواقب الأمور مغبة، ورجل برجل!

ونظر أبو طالب إلى هذه الأشباح التي تكلمه، وهي تقود فتاها بنسعة الغرور الكذوب!

وحدّث أبو طالب نفسه، هامساً متعجّباً من هذه الرؤوس التي لم تركب في تلافيفها أدمغة تعقل، ولا دُسّ في صدورها قلوب تفقه!

وما قيمة جسامة فتاكم، وبضاضة جسمه وجماله وميعة شبابه، وتمايل عطفيه، وتضاحك شدقيه، في ميزان الرجوليّة الجادّة؟!

وما قيمة ذلك في ميزان الفضائل الإنسانيّة التي تعتزّ بها الحياة في حساب مفاخرها فيمن تدّخرهم لإنقاذها من شروركم؟! أفلا تعقلون؟!

بل ما قيمة فتاكم البضّ التيّاه في شرعة وشائج الطبيعة؟! أفلا تفقهون؟!

وكان أبو طالب -كما أسلفنا- قد استجمع أطراف عزائمه، وراجعته حميّته لابن أخيه، وزاده هذا العرض السخيف الأبله قوّةً وشموخاً، وتبدّى له خذلان الطغيان .. وأنهم جاؤوه بدنيّة الدنيا، ورديلة الرذائل، وحطيطة الجبن!


(١) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ٢: ١٧٨ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>