ونفهم أن أهل المدينة اليوم مؤمنون، فهم شديدو الحفاوة بالفتية المؤمنين بعد أن انكشف أمرهم بذهاب أحدهم لشراء الطعام، وعرف الناس أنه أحد الفتية الذين فرّوا بدينهم منذ عهد بعيد!
ولنا أن نتصوّر ضخامة المفاجأة التي اعترف الفتية -بعد أن أيقن أحدهم أن المدينة قد مضى عليها العهد الطويل منذ أن فارقوها، وأن الدنيا قد تبدَّلت من حولهم، فلم يعد لشيء مما ينكرونه، ولا لشيء مما يعرفونه وجود! وأنهم من جيل قديم مضت عليه القرون، وأنهم أعجوبة في نظر الناس وحسّهم. فلن يمكن أن يعاملوهم كبشر عاديين، وأن كل ما يربطهم بجيلهم من قرابات ومعاملات ومشاعر وعادات وتقاليد .. كله قد تقطع، فهم أشبه بالذكرى الحيّة منهم بالأشخاص الواقعيّة ... فيرحمهم الله من هذا كله فيتوفاهم!
لنا أن نتصوَّر هذا كله .. أما السياق القرآني فيعرض هذا المشهد الأخير، مشهد وفاتهم، والناس خارج الكهف يتنازعون في شأنهم، على أي دين كانوا، وكيف يخلدونهم ويحفظون ذكراهم للأجيال، وتطالعنا العبرة المستفادة: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (٢١)} (الكهف). والعبرة في خاتمة هؤلاء الفتية هي دلالاتها على البعث بمثل واقعي قريب محسوس، يقرب إلى الناس قضيّة البعث، فيعلموا أن وعد الله بالبعث حق، وأن الساعة لا ريب فيها .. وعلى هذا النحو بعث الله الفتية من نومتهم، وأعثر قومهم عليهم!