للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويطالعنا الجدل حول أصحاب الكهف، على عادة الناس يتناقلون الروايات والأخبار ويزيدون فيها وينقصون، ويضيفون إليها من خيالهم جيلاً بعد جيل، حتى تتضخَّم وتتحوَّل، وتكثر الأقاويل حول الخبر الواحد أو الحدث الواحد كلما مرَّت القرون: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٢٢)} (الكهف)!

فهذا الجدل حول عدد الفتية لا طائل وراءه، وإنه ليستوي أن يكونوا ثلاثة أو خمسة أو سبعة أو أكثر، وأمرهم موكول إلى الله، وعلمهم عند الله، وعند القليلين الذين تثبّتوا من الحادث عند وقوعه .. فلا ضرورة إذن للحديث الطويل حول عددهم .. والعبرة في أمرهم حاصلة بالقليل وبالكثير ... لذلك يوجّه القرآن خاتمَ النبيّين - صلى الله عليه وسلم - إلى ترك الجدل في هذه القضيّة، وإلى عدم استفتاء أحد من المتجادلين في شأنهم، تمشّياً مع منهج الإسلام في صيانة الطاقة العقليّة أن تبدَّد في غير ما يفيد، وفي ألا يقفو المسلم ما ليس له به علم وثيق ... وهذا الحادث الذي طواه الزمن هو من الغيب الموكول إلى علم الله، فليترك إلى علم الله!

وبمناسبة النهي عن الجدل في غيب الماضي، يرد النهي عن الحكم على غيب المستقبل وما يقع فيه. فالإنسان لا يدري ما يكون في المستقبل حتى يقطع برأي فيه: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (٢٤)} (الكهف)!

<<  <  ج: ص:  >  >>