للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن كل حركة وكل نأمة، بل كل نفس من أنفاس الحيّ، مرهون بإرادة الله .. وسجف الغيب مسبل يحجب ما وراء اللحظة الحاضرة .. وعين الإنسان لا تمتد إلى ما وراء الستر المسدل، وعقله مهما علم قاصر كليل، فلا يقل إنسان: إني فاعل ذلك غداً، والغد في غيب الله، وأستار غيب الله دون العواقب!

وليس معنى هذا أن يقعد الإنسان، لا يفكر في أمر المستقبل ولا يدبر له، وأن يعيش يوماً بيوم، لحظة بلحظة، وألا يصل ماضي حياته بحاضره وقابله .. كلا. ولكن معناه أن يحسب حساب الغيب وحساب المشيئة التي تدبره، وأن يعزم ما يعزم ويستعين بمشيئة الله على ما يعزم، ويستشعر أن يد الله فوق يده، فلا يستبعد أن يكون لله تدبير غير تدبيره، فإن وفقه الله إلى ما اعتزم، وجرت مشيئة الله بغير ما دبر لم يحزن ولم ييأس؛ لأن الأمر لله أولاً وأخيراً!

فليفكر الإنسان وليدبر، ولكن ليشعر أنه إنما يفكر بتيسير الله، ويدبر بتوفيق الله، وأنه لا يملك إلا ما يمدّه الله من تفكير وتدبير، ولن يدعو هذا إلى كسل أو تراخ، أو ضعف أو فتور، بل على العكس يمدّه بالثقة والقوّة والاطمئنان والعزيمة، فإذا انكشف ستر الغيب عن تدبير لله غير تدبيره، فليتقبّل قضاء الله بالرضى والطمأنينة والاستسلام، لأنه الأصل الذي كان مجهولاً فكشف عنه الستار!

هذا هو المنهج الذي يأخذ به الإسلام قلب المسلم، فلا يشعر بالوحدة والوحشة وهو يفكّر ويدبّر، ولا يحسّ بالغرور والتبطر وهو يفلح وينجح، ولا يستشعر القنوط واليأس وهو يفشل ويخفق، بل يبقى في كل أحواله متصلاً بالله، قويًّا بالاعتماد عليه، شاكراً لتوفيقه إيّاه، مسلماً بقضائه وقدره، غير متبطر ولا قنوط!

<<  <  ج: ص:  >  >>