وهنا نبصر اهتمام المؤّرخين باستيعابهم، واستقصاء أحوالهم في إحصاء الأحاديث المرويّة عن الصحابة .. وتلك الروايات الكثيرة التي حفظت لنا سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مع مراعاة التبليغ إلى الجيل الذي بعدهم كل ما رأوه بأعينهم، وسمعوه بآذانهم، من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقواله .. ومن ثم كانوا يعلّمون أولادهم وإخوانهم وأصحابهم وأقرباء هم من الدّين والعلم كل ما كانوا يعلمونه، بحيث كان ذلك هو الشغل الشاغل آناء الليل وأطراف النهار، وفي الغدوّ والآصال!
ونبصر -أيضاً- تعلم النشء الإسلامي الأول حقائق رسالة الإسلام، وتفاصيل حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، منذ ترعرعوا في بيئاتهم التي كانت ساحة للعلم والعمل، ومدارس يتقلّبون في فصولها، وما لبثوا أن قاموا مقام الصحابة - رضي الله عنهم- وسدّوا مستدّهم في حفظ هذه الأحاديث، ووعي هذه المرويات التي كانوا يحفظونها كلمة كلمة، ويعيدون رواياتها بألفاظها، دون أن يبدّلوا منها كلمة!
وكما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرّض أصحابه على أن يبلّغوا عنه، ويفقهوا رسالته، وينصروا دعوته، ويعرّفوا سنته، كان ينهى عن أن يتقوّلوا عليه ما لم يقل، أو ينسبوا إليه ما لم يفعل، وكان ينذر من يتعمّد الكذب عليه بأنه سيتبوأ مقعده من النار!
ومن المعلوم أن ذاكرة العرب كانت قويّة -كما عرفنا- وأنهم يحفظون آلافاً من الشعر وينشدونها عن ظهر قلب بلا زيادة ولا نقص، ومن طبيعة البشر أنهم إذا أكثروا استعمال قوة من قواهم تزداد هذه القوّة قوّة وحيويّة، وقد مُرِّن الصحابة والتابعون على حفظ الأحاديث، حتى بلغوا في ذلك شأواً بعيداً،