فالمصدر المنسبك من {أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} مستثنى من عموم المنهيات، وهو من كلام الله تعالى، ومفعول {يَشَاءَ اللَّهُ} محذوف، دل عليه ما قبله، كما هو شأن فعل المشيئة، والتقدير: إلا قولاً شاءه الله، فأنت غير منهي عن أن تقوله!
ومقتضى كلام الكسائي والأخفش والفرّاء مستثنى من جملة {إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا}، فيكون مستثنى من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - المنهي عنه، أي إلا قولاً مقترناً بـ (أن يشاء الله) فيكون المصدر المنسبك من {أَن} والفعل في محل نصب على نزع الخافض، وهو باء الملابسة، والتقدير: إلا بـ (أن يشاء الله) أي بما يدل على ذكر مشيئة الله؛ لأن ملابسة القول لحقيقة المشيئة محال، فعلم أن المراد تلبسه بذكر المشيئة بلفظ (إن شاء الله) ونحوه، فالمراد بالمشيئة إذْن الله له!
وقد جمعت هذه الآية كرامة للنبي - صلى الله عليه وسلم - من ثلاث جهات:
الأولى: أنه أجاب سؤله، فبيَّن لهم ما سألوه إيَّاه، على خلاف عادة ذلك مع المكابرين!
الثانية: أنه علَّمه علماً عظيماً من أدب النبوَّة!
الثالثة: أنه ما علَّمه ذلك إلا بعد أن أجاب سؤله استثناساً لنفسه ألا يبادره بالنهي عن ذلك قبل أن يجيبه، كيلا يتوهّم أن النهي يقتضي الإعراض عن إجابة سؤاله، وكذلك شأن تأديب الحبيب المكرّم، ومثاله ما رواه الشيخان وغيرهما عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال:
سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "يا حكيم، إِن هذا المال خَضِرةٌ حُلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بُورك له فيه، ومن أخذه بإِشراف نفس لم يُبارك له فيه،