للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى" قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرْزَ أأَحَداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيماً إِلى العطاء، فيأبى أن يقبله منه، ثم إِن عمر رضي الله عنه دعاه ليُعْطِيَه، فأبى أن يَقْبَل منه شيئاً، قال عُمر: إِنّي أشْهِدُكُم يا معشر المسلمين على حكيم أنّي أعرض عليه حقَّه من هذا الفَيْء فيأبى أن يأخذه، فلم يرْزأْ حكيمٌ أحداً من الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تُوفِّي". (١)

فعلم حكيم أن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له ليس القصد منه منعه من سؤاله، وإنما قصد منه تخليقه بخلق جميل، فلذلك أقسم حكيم ألا يأخذ عن أحد غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً، ولم يقل: لا أسألك بعد هذه المرة شيئاً!

فنظم الآية أن اللام في قوله {لِشَيْءٍ} ليست اللام التي يتعدَّ بها فعل القول إلى المخاطب، بل هي لام العلّة، أي لا تقولنَّ: إني فاعل كذا لأجل شيء تَعدُ به، فاللام بمنزلة (في)!، و (شيء) اسم متوغل في التنكير يفسره المقام، أَي لشيء تريد أن تفعله، والإشارة بقوله {ذَلِكَ} عائدة إلى (شيء)، أي إني فاعل الإخبار بأمر يسألونه، و {غَدًا} مستعمل في المستقبل مجازاً، وليس كلمة {غَدًا} مراداً بها اليوم الذي يلي يومه، ولكنه يستعمل في معنى الزمان


(١) البخاري: ٢٤ - الزكاة (١٤٧٢)، وانظر (٢٧٥٠، ٣١٤٣، ٦٤٤١). ومسلم (١٠٣٥)، والحميدي (٥٥٣)، وابن أبي شيبة: ٣: ٢١١، والنسائي: ٥: ٦٠، ١٠٠، ١٠١، وابن أبي عاصم: الآحاد والثاني (٥٩٥)، وعبد الرزاق (٢٠٠٤١)، والترمذي (٢٤٦٣)، وأحمد: ٣: ٤٣٤، والدارمي: ١: ٣٨٨، ٢: ٣١٠، وابن حبان (٣٢٢٠، ٣٤٠٢)، والطبراني: الكبير (٣٠٧٨، ٣٠٨٠، ٣٠٨٠، ٣٠٨١)، والبيهقي: ٤: ١٩٦٠، والبغوي (١٦١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>