للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن ثُمَّ قال: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا}، وقوله: {ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} أي إنها ثلاثمائة بحساب العجم، وإن حسبت الأهلة، فقد زاد العدد تسعاً، لأن ثلاثمائة بحساب الشمس تزيد تسع سنين بحساب القمر، فإن قيل: فكيف قال ثلاثمائة سنين، ولم يقل سنة، وهو قياس العدد في العربيّة، لأن المائة تضاف إلى لفظ الواحد، فالجواب أن سنين في الآية بدل مما قبله، ليس على حدّ الإضافة ولا التمييز، ولحكمة عظيمة عدل باللفظ عن الإضافة إلى البدل، وذلك أنه لو قال: ثلاث مائة سنة، لكان الكلام كأنه جواب لطائفة واحدة من الناس، والناس فيهم طائفتان: طائفة عرفوا طول لبثهم، ولم يعلموا كميّة السنين، فعرفهم أنها ثلاثمائة.

وطائفة لم يعرفوا طول لبثهم، ولا شيئاً من خبرهم.

فلما قال: ثلاثمائة معرفاً للأولين بالكميّة التي شكّوا فيها، مبيّناً للآخرين أن هذه الثلاثمائة سنون، ليست أيّاماً ولا شهوراً، فانتظم البيان الطائفتين من ذكر العدد، وجمع المعدود، وتبيّن أنه بدل، إذ البدل يُراد به: تبيين ما قبله، ألا ترى أن اليهود قد كانوا عرفوا أن لأصحاب الكهف نبأ عجيباً، ولم يكن العجب إلا من طول لبثهم، غير أنهم لم يكونوا على يقين من أنها ثلاثمائة أو أقل، فأخبر أن تلك السنين ثلاثمائة، ثم لو وقف الكلام ها هنا لقالت العرب، ومن لم يسمع بخبرهم: ما هذه الثلاثمائة؟ فقال كالمبين لهم: سنين، وقد روي معنى هذا التفسير عن الضحاك، وذكره النحاس!

وقال: {سِنِينَ}، ولم يقل (أعواماً)، والسنة والعام، وإن اتسعت العرب فيهما، واستعملت كل واحد منهما مكان الآخر اتساعاً، ولكن بينهما في حكم البلاغة والعلم بتنزيل الكلام فرقاً، فخذه أولاً من الاشتقاق، فإن السنة من سنا

<<  <  ج: ص:  >  >>